top of page
صورة الكاتبالدكتور محمد الزنان

ربي إذا بيغنيك ما يشاورك

تاريخ التحديث: قبل ٧ أيام

تعلق الناس في هذا الزمن بالأسباب الدنيوية بشكل جعل التعلق بالله واليقين به ضعيفاً لدرجة أن الإنسان يصاب بالإحباط والاكتئاب عند حدوث عارض له يمنعه من تحقيق مراده أو أهدافه التي يسعى لتحقيقها.



فهل التعلق بالأسباب مذموم مطلقاً؟

أم أن ترك الأسباب هو الأسلم مطلقاً؟

وما هو المنهج الصحيح في ذلك؟


يقول العلماء: الالتفات إلى الأسباب: شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا: نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية: قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء: معنى يتألف من موجب التوحيد، والعقل، والشرع" .وبيان ذلك أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد إليه وليس في المخلوقات ما يستحق هذا لأنه ليس مستقلا ولابد له من شركاء وأضداد ومع هذا كله فإن لم يسخِّره مسبِّب الأسباب: لم يؤثر، وهذا مما يبين أن الله رب كل شيء ومليكه وأن السموات والأرض وما بينهما والأفلاك وما حوته: لها خالق مدبِّر.

 

وما دام أن الأمر كذلك " فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدًا على الله لا على سببٍ من الأسباب والله ييسر له من الأسباب ما يصلحه في الدنيا والآخرة، فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها: فَعَلَها مع التوكل على الله كما يؤدي الفرائض وكما يأكل ويشرب ويسعى للرزق ويلبس ما يدفئه من برد الشتاء ولا يكتفي بمجرد توكله بدون أن يفعل ما أُمر به من اللباس، ومَن ترك الأسباب المأمور بها: فهو عاجز مفرط مذموم.

 

وقد صحح هذا المفهومَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين عَلَّم الرجلَ حُسْنَ التوكل مع بذل الأسباب، حين سأله سائل: "يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟" قال : «اعقلها وتوكل» (الترمذي، الجامع الكبير، رقم:[2517])، وهذا من جملة المفاهيم التي انحرفت عند بعض طوائف الأمة، فبدلاً من أن تكون طاقةً دافعةً إلى العلم والعمل، صارت عند بعضهم شماعة يعلقون عليها فشلهم، ويعلقون عليها ضعفهم ويبررون بها عجزهم، مثل ما حدث لمفهوم التوكل فصار تواكلاً، ومثله ما حدث لمفهوم القضاء والقدر قديماً وحديثاً، ولذلك قال الإمام الملهم عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه لما قالوا له عن عدم دخول أرض الطاعون: " أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر:... نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟. "(البخاري، برقم: [5728]، ومسلم، برقم:[2218]، في صحيحيهما).

 

إذاً المطلوب هو بذل الأسباب، لكن نود التنبيه هنا إلى تقديم التوكل واليقين بالله على بذل الأسباب، وهذا مكمن الخلل عند كثير من الناس وخصوصاً المخططون الاستراتيجيون، وهو تقديم السبب على اليقين.

 

هناك مقولة منتشرة وهي: اعمل الذي عليك والباقي على الله، وهذه العبارة فيها خلل كبير في اليقين، فكل شيء بيد الله وليس الباقي فقط، فهم هنا قدموا عملهم ثم جعلوا الباقي على الله.

 

المؤمن من يَستشعر وجود الله - سبحانه وتعالى - معه في حياته كلّها بحركاته وسكناته، في فرحه وحزنه، وشدّته ورخائه، فيوقن حق اليقين أنّ الله مدبر الأمور ومسيّرها، كل شيء في الكون يَسير بحكمة الله وأوامره بدقة تامة، ولهدفٍ مُعيّن قد يعرفه الإنسان وقد يجهله ويبقى السبب الحقيقي في علم الغيب عند الله، أمّا إن كان سبب الحدوث مَجهولاً فإنّ المؤمن الحق يبقى على يقين بأنّ الله لا يُدبّر لعباده إلا ما كان فيه خيرٌ لهم، قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: (عجبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَّه خيرٌ، وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراءُ شكرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر، فكان خيرًا له).

 

شعور اليقين هو شعورُ الراحة المطلقة للمرء، فهو يَطمئن لما تمرّ به حياته ولِما يحدث معه، لا يَقلق من غده ولا مُستقبله، فيشعر بأنّ الله بجانبه يرعاه برعايته ويُدبّر له الأمر وييسّر له الرزق، ويدفع عنه المكروه، فإن أصابه فرحٌ أو خيرٌ حمد الله على ما أعطاه وشكره لكرمه ونِعمه، وإن أصابه مكروهٌ حمد الله وصبر على ما ابتلاه يقيناً منه أنّ أجر ذلك الصبر سيخبئه الله - سبحانه وتعالى - له إلى يوم القيامة؛ لأن البلاء من الله اختبارٌ للصبر، ودفعٌ للذنوب، ورفعٌ للدرجات، وقد قال الله - سبحانه وتعالى - في وصف أهل اليقين والتقوى والإيمان: ﴿الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

 

ختاماً نقول ربي إذا بيغنيك ما يشاورك بس عليك ببذل الأسباب.

٥ مشاهدات٠ تعليق

Comments


bottom of page